ولادة الإمام علي ( عليه السلام )

أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها
أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الْإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ: «عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ. كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث ، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَمٍ، مَعَ كُلِّ شَيْءٍ لاَ بِمُقَارَنَةٍ، وَغَيْرُ كُلِّ شَيءٍ لَا بِمُزَايَلَةٍ ، فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ، بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ يَسْتوْحِشُ لِفَقْدِهِ.
ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ ، وَ الْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ ، وَ الْمِنْهَاجِ الْبَادِي ، وَ الْكِتَابِ الْهَادِي . أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ ، وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ ، أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ ، وَ ثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ . مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ ، وَ هِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ ، عَلَا بِهَا ذِكْرُهُ ، وَ امْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ . أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ ، وَ مَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ ، وَ دَعْوَةٍ مُتَلَافِيَةٍ ، أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ ، وَ قَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ ، وَ بَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ . فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ ، وَ تَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ ، وَ تَعْظُمْ كَبْوَتُهُ ، وَ يَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ ، وَ الْعَذَابِ الْوَبِيلِ ، وَ أَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكُّلَ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ ، وَ أَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ ؛ وَسِراجاً لاَيَخْبُو تَوَقُّدُهُ ؛ وَبَحْرَاً لاَيُدْرَكُ قَعْرُهُ ؛ وَمِنْهَاجاً لاَ يُضَلُّ نَهْجُهُ ؛ وَشُعَاعاً لاَيُظْلَمُ ضَوْؤُهُ ؛ وَفُرْقَاناً لاَيُخْمَدُ بُرْهَانُهُ ؛ وَتِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ ؛ وَشِفَاء ً لاَتُخْشَي أَسْقَامُهُ ؛ وَعِزَّاً لاَتُهْزَمُ أَنْصَارُهُ ؛ وَحَقَّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ . فَهُوَ مَعْدِنُ الإيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ ، وَيَنَابِيعُ العِلْمِ وَبُحُورُهُ ، وَرِيَاضُ العَدْلِ وَغُدْرَانُهُ ، وَأَثَافِيُّ الإسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ ، وَأَوْدِيَة ُ الحَقِّ وَغِيطَانُهُ . وَبَحْرٌ لاَيَنْزِفُهُ المُسْتَنْزِفُونَ ، وَعُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا المَاتِحُونَ ، وَمَنَاهِلُ لاَيُغْيضُها الوَارِدُونَ ، وَمَنازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا المُسافِرُونَ ، وَأَعْلاَمٌ لاَيَعْمَي عَنْهَا السَّائِرُونَ ، وَأَكَامٌ لاَ يَجُوزُ عَنْهَا القَاصِدُونَ .
جَعَلَهُ اللَهُ رَيَّاً لِعَطَشِ العُلَمَاء ِ ، وَرَبِيعَاً لِقُلوبِ الفُقَهَاء ِ ، وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحاء ِ ، وَدَوَاء ً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاء ٌ ، وَنُورَاً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَة ٌ ، وَحَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ ، وَمَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ ، وَعِزَّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ ، وَهُديً لِمَنْ ائْتَمَّ بِهِ ، وَعُذْرَاً لِمَنْ انْتَحَلَهُ ، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ ، وَفَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ ، وَحَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ ، وَمَطِيَّة ً لِمَنْ أَعْمَلَهُ ، وَآيَة ً لِمَنْ تَوَسَّمَ ، وَجُنَّة ً لِمَنْ اسْتَلاْمَ ، وَعِلْماً لِمَنْ وَعَي، وَحَدِيثَاً لِمَنْ رَوَي، وَحُكْماً لِمَنْ قَضَي.
هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، هُمْ دَعَائِمُ الاِْسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الاْعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَة وَرِعَايَة، لاَ عَقْلَ سَمَاع وَرِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.
|
|