من المعلوم أنّ الإيمان هو
الصورة القلبية للمفهوم الإعتقادي بالله سبحانه وتعالى، والله سبحانه ليس
له صفات متعيّنة، ولا يمكن للذهن تصور أيّة صورة ذهنية لتكون قرينة يتعلق
بها، فهو سبحانه لا تدركه الأوهام...
من هنا فإنّ الحديث عن الإيمان بالله، والإيمان بالغيب بشكل عام ليس بالأمر
السهل... فإنّ الكثير من المؤمنين ربّما يقعون بالشرك الخفي دون أن
يشعروا... ومن هنا أيضاً، قال أمير المؤمنين (ع) في إحدى خطبة: "وكمال
توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه...".
وعلى أي حال، فإنّ لكل مؤمن مقدار من التعلق بالغيب، والإرتباط بحقائق
الإيمان، والمؤمنون يتفاضلون بمقدار خلوص إيمانهم من العلائق التفصيلية،
وتعلقها بمحل القدس الإلهي عزّوعلا.
وخلاصة القول: إنّ الإنسان يشعر بقلبه بحرارة هذا الإيمان ويتذوق طعمه،
وتشتد حرارة الإيمان كلما اقترب الإنسان أكثر من الخلوص، وقد عبّر سبحانه
عن هذا الحب في كتابه الكريم: (... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ
وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات/ 7).
وفي قوله حبب إشارة إلى التدخل الإلهي في جذب المؤمنين إليه لما أراده لهم
من خير، وفي قوله سبحانه: وزينه في قلوبكم، إشارة لطيفة لما سبق الحديث عنه
من الصور الذهنية.
وهذا الحب الذي ساقه الله لعباده، لا يلبث أن يترسّخ في القلوب، وذلك قوله
تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا
لِلَّهِ...) (البقرة/ 165).
ثمّ يتعاظم في قلب المؤمن حتى يستقل بالقلب، فلا يعود فيه ذرّة من الحب
لغير الله، قال عزّوجلّ: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ
كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ
بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ
حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة/
22).
الإنسان إذا ذاق حلاوة الإيمان يبتعد عن الآمال ويتجه إلى الأعمال، كل
إنسان يعيش في الأمل، يتمنى ويتأمل ولا يعمل، هكذا إنسان ما ذاق حلاوة
الإيمان... مثلاً: إنسان فتح محلاً تجارياً يتوقع ربحاً، في اليوم الأوّل،
باع بمائتي ألفاً، هذا، في اليوم الثاني لا يغيب أبداً!!! بل يأتي باكراً،
أول من يفتح محله، لأنّه ذاق الغلّة الكبيرة، هذا الذي ذاقه من الربح
الوفير حمله على المتابعة، أمّا إذا فتح المحل ولم يجد مشترٍ، ففي اليوم
الثاني يقول: أنا متعب، ولا يهمه المحل، فتح أو لم يفتح، يقول: لا يوجد
شغل، السوق بارد، إذا لم يذق الإنسان الطعم لا يتابع، ومن علامة الذي يذوق
حلاوة الإيمان أنّه يتابع، وكل إنسان يقوم إلى الصلاة كسلاناً ويؤدي
العبادات بتثاقل، وعند كل قضية ينسحب ويعتذر، ولا يرغب... مثل هكذا إنسان
ما ذاق حلاوة الإيمان، ولو ذاق حلاوة الإيمان لكان له أزيز كأزيز المرجل.
حلاوة الإيمان تعطيك قوة عجيبة، تعطيك قوة تنسى بها كل شيء، لذلك رووا عن
رسول الله (ص) قوله: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي" بالتمني يقول:
جعلنا الله من أهل الإيمان، ويقول آمين، اللّهمّ لا تحاسبنا حساباً عسيراً،
اللّهمّ لا تعاملنا على عملنا، اللّهمّ تب علينا. وكل هذا تمنيات، وهذا
مثل الطالب الذي قال إن شاء الله أنجح، ولكنه لم يدرس!!!
الله كريم لا ينسى أحداً من فضله، ولكنه مع ذلك لا ينجح!!!
أمّا عندما يتحرك ويدرس، وينتقل من الأمل إلى العمل، فقد صار الوصول إلى
الهدف بالنسبة إليه ممكناً، وعلامة الذي ذاق حلاوة الإيمان أنّه ينتقل من
الآمال إلى الأعمال، ومن التمني إلى السعي.
المصدر: كتاب الحب والجمال
0 التعليقات:
إرسال تعليق